بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وأصحابه ومن والاه .
أما بعد /
ففي قوله تعالى : ( من بعد وصية يوصى بها أو دين ) .
إن قيل ما الحكمة في تقديم ذكر الوصية على ذكر الدين والدين مقدم عليها بإجماع ، وقد روى الترمذي عن الحارث عن علي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قضى بالدين قبل الوصية ، وأنتم تقرون الوصية قبل الدين؟
قال : والعمل على هذا عند عامة أ هل العلم أنه يبدأ بالدين قبل الوصية ، وروى الدارقطني من حديث عاصم بن ضمرة عن علي قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( الدين قبل الوصية وليس لوارث وصية ) رواه عنهما أبو إسحاق الهمداني ؟
فالجواب على ذلك من أوجه خمسة :
الأول : إنما قصد تقديم هذين الفصلين ( الوصية والدين ) على الميراث ، ولم يقصد ترتيبهما في أنفسهما فلذلك تقدمت الوصية في اللفظ .
الثاني : لما كانت الوصية أقل لزوما من الدين قدمها إهتماما بها كما قال تعالى : (لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ) .
الثالث : قدمها لكثرة وجودها ووقوعها فصارت كاللازم لكل ميت مع نص الشرع عليها ، وأخر الدين لشذوذه فإنه قد يكون وقد لا يكون فبدأ بذكر الذي لا بد منه وعطف بالذي قد يقع أحيانا ، ويقول هذا العطف بأو ولو كان الدين راتبا لكان العطف بالواو .
الرابع : إنما قدمت الوصية إذ هي حظ مساكين وضعفاء ، وأخر الدين إذ هو حظ غريم يطلبه بقوة وسلطان وله فيه مقال .
الخامس : لما كانت الوصية ينشئها من قبل نفسه قدمها ، والدين ثابت مؤدى ذكره أو لم يذكره .
والحمدلله رب العالمين ،،،
عن تفسير القرطبي ( ج: 5 ص: 73 ) بتصرف .