إن المشكلة المالية العالمية الناجمة عن
أزمة الرهن العقاري هي نتيجة مباشرة نشأت بفعل عدم مسؤولية وعدم كفاءة الكونغرس
الأمريكي والذي يعمل في الوقت الحالي على جعل الوضع السيء أكثر سوءا.
ولكي يتم فهم كيفية قيام الكونغرس بهذا العمل، دعونا نبدأ بالأمور الأساسية. فعلى مدى كثير من السنوات، كانت البنوك والمؤسسات المالية الأخرى التي تقدم الرهون حريصة على أن تتأكد من أن الممتلكات العقارية التي يتم رهنها غير مغالى فيها وأن يكون للمقترض سجلا سابقا من الحساب الاستداني الجيد ودخلا كافيا للقيام بمدفوعات الرهن دون وجود عراقيل مخيبة للآمال، بما أن أصحاب البنوك لا يريدون أن تضيع أموالهم ولا أن تضيع أموال مودعي بنوكهم.
وعلى مدى الزمن، أصبحت المؤسسات الماليةأكثر تخصصا. فبعضها تخصص في إصدار القروض والبعض الآخر تخصص في جمع رأس المال بغرض
تمويل القروض. ثم بعد ذلك بدأت المؤسسات التي كانت جيدة في جمعها لرأس المال بشراء
الرهون من تلك المؤسسات التي كانت جيدة في إصدارها. وهكذا، فقد بدأ التطوير في سوق الرهن الثانوية.
وكانت المشاكل قد بدأت بالعودة إلى العام
1938، وبخاصة إبان إدارة الرئيس روزفلت، بالرغم من أن الأدارة والكونغرس قد توصلا
إلى فكرة "مثيرة للإعجاب" آنذاك، وهي أن يتم توسيع الملكية الإسكانية من
خلال إشراك الحكومة. فقد قاموا بإنشاء "الجمعية الفيدرالية للرهن العقاري
الوطني" والمعروفة بشكل أكثر شيوعا باسم مؤسسة "فاني ماي"، بغرض شراء
الرهون من البنوك كما كانت تفعل الشركات الخاصة، ولكن باستخدام دولارات دافعي
الضرائب. وكان لدى "فاني ماي" ميزة عظيمة على اعتبار أن بإمكانها أن
تقترض الأموال من الحكومة الفيدرالية بشكل أرخص مما تستطيع المؤسسات الخاصة أن
تحصل على أموالها. وهكذا، كانت مؤسسة "فاني ماي" قادرة على احتكار سوق
الرهن الثانوية بسرعة تقريبا.
أما البنوك التي كانت جيدة في إصدار
الرهون فقد حبذت هذا الترتيب لأنه وفر لها سوقا جاهزة يتم به إعادة بيع الرهون مع
الحصول على الربح. وكما كان متوقعا، فقد هبطت مستويات ومعايير الائتمان على مدى
السنوات لأن أولئك الذين قاموا بتسيير أمور مؤسسة "فاني ماي" لم
يستخدموا أموالهم الخاصة بهم بل استخدموا أموال دافعي الضرائب وكانوا قادرين على
تبرير سلوكهم الهائم بشكل متزايد على أساس أنهم يعملون "عملا صالحا
اجتماعيا" بفعل تيسير الأمور على الناس لكي يشتروا منازل لم يكونوا (هؤلاء الناس) في واقع الأمر يتمتعون بمصداقية ائتمانية.
وفي العام 1968، قامت الحكومة الفيدرالية
بـ"خصخصة" مؤسسة "فاني ماي" وبدأت بالطلب منها بأن تقوم بجمع
رأس المال من أسواق القطاع الخاص. ولكن بما أن كل فرد كان على علم بأن الكونغرس
........................................
سوف لن يسمح بإفلاس "فاني ماي"
(وهو ضمان لا يتم بشكل صريح بل ضمنيا)، فإن موردي رأس المال من القطاع الخاص كانوا
راغبين في تقاضي أجور من مؤسسة "فاني ماي" بمقادير أقل من المنافسين
الآخرين لها نظرا لأن هؤلاء الموردين كانوا يشعرون—وهم على صواب—بأن المخاطر كانت
أقل. وهكذا، فقد أصبحت "فاني ماي" هي المحتكر الفعلي في سوق الرهن
الثانوية. ولكن بدلا من أن يقوم أعضاء الكونغرس بتفكيك مؤسسة "فاني ماي"
وتحويلها إلى مؤسسة خاصة على نحو حقيقي، قاموا في العام 1970 بتبني شركة أخرى هي
"فريدي ماك" لتكون المنافس لها.
وقد استمرت المؤسسات المالية التي قامت
بإصدار الرهون بالسماح للمعايير بالهبوط نظرا لوجود مشترين اثنين. وبحلول العام
2002، قام بنك الاحتياطي الفيدرالي بعرض مقادير من الأموال غير محددة فعليا على
البنوك بأسعار فائدة بلغت في بعض الأحيان حتى دون التضخم، وهكذا، فقد تم دعم
الرخاء الإسكاني بشكل مصطنع بفعل إصدار ما نسبته 100 في المائة من الرهون إلى
مقترضين لا يتمتعون بمصداقية ائتمانية.
وبإمكان البنوك التي قامت بإصدار الرهون
أن تقوم بعرض بيع خداعي لهذه الرهون العقارية شبه الممتازة على مؤسستي "فريدي
ماك" و"فاني ماي" اللتين ستقومان بوضعها في "مجمعات" من
الرهون العقارية، وهي التي، بدورها، سوف تباع إلى صناديق استثمارية وإلى عامة
الجمهور على كونها استثمارات "رفيعة الدرجة" تتميز بأدنى حد من المخاطر
المالية.
إنها عبارة عن لعبة كراسي موسيقية يحصل
بموجبها المشاركون في عمليات السوق بشكل ضمني على أموال دافعي الضرائب المدعومة
بالإعانات، وطالما توفرت لديهم القدرة على تمرير المخاطر بسرعة إلى اللاعب التالي
قبل أن يحدث التقصير النهائي والمحتوم في السداد، فإنهم سوف يظهرون كرابحين. وقد
كان هذا الأسلوب الذي سمي بـ"خطة بونزي" أسلوبا مشهورا اتبعه بونزي في
السابق بإعطاء ربح على مال شخص من مال شخص آخر، كما هي الحقيقة عندما كانت مؤسستا
"فاني ماي" و"فريدي ماك" في السنوات الأخيرة موطنا لسلسلة من
الفضائح الكبرى من الفساد المحاسبي والمالي. وكان السياسيون قد استفادوا من مناصب مجالس
الإدارة في هاتين المؤسستين بغرض مكافأة أصدقاء سياسيين حميمين لهم (فكان رئيس
مجلس إدارة "فاني ماي" الذي تم طرده من منصبه وتوجيه الاتهام له مديرا
لإدارة وموازنة مكتب الرئيس بيل كلينتون). كما كانت مؤسستا "فاني ماي"
و"فريدي ماك" كلتاهما بالفعل من أكبر المساهمين لحملات الكونغرس.