ومن عفا وأصلح فأجره على
الله ما أجمل أن
يتحلى الإنسان بالسماحة مع الآخرين؛ لأن الناس بشر، والنفس ضعيفة، فلا بد
من
الخطأ، ولا بد للنفس أن تتأثر. يقول سعيد بن المسيب ـ رحمه الله تعالى
إنه ليس من شريف ولا عالم ولا ذي فضل إلا وفيه عيب، ولكن من الناس من لا
ينبغي
أن تُذكر عيوبه، ومن كان فضله أكثر من نقصه؛ وهب نقصه لفضله
سامح أخاك إذا خلط منه
الإصــابة والغلط
وتجاف عن تعنيفــه إن زاغ يوماً أو قسط
واعلم بأنك إن طلبـــت مهذباً رمت الشـطط
من الذي ما ســاء قط ومن له الحسـنى فقط
فهل نستجيب لنداء القرآن
بالصفح والعفو والإحسان لمن أساء إلينا؟
قال تعالى:
وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن
بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ
سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا
لِّلَّذِينَ
آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} (10) سورة الحشر.
وقال تعالى:
{خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ
بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} (199) سورة الأعراف.
وقال تعالى:
{فَاعْفُواْ وَاصْفَحُواْ حَتَّى
يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}
(109)
سورة البقرة.
وقال تعالى:
{وَإِنَّ السَّاعَةَ
لآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ} (85) سورة الحجر.
وقال تعالى:
{وَالْكَاظِمِينَ
الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}
(134)
سورة آل عمران.
قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: "ما زاد الله
عبدًا بعفو إلا عزًا" (رواه مسلم).
ولنا أسوة حسنة في موقف
النبي صلى الله عليه وسلم وهو يسأل قريشاً: "ما تظنون أني فاعل بكم؟،
قالوا أخ
كريم، وابن أخ كريم ، فقال ـ صلى الله عليه وسلم -: "أقول كما قال أخي
يوسف ( لا تثريب عليكم اليوم ) اذهبوا فأنتم الطلقاء
وهذا "أبو بكر الصديق" ـ
رضي الله عنه ـ عندما سمع قول الله تعالى {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا
أَلَا
تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} قال:
"بلى
واللّه. إنَّا نحب أن تغفر لنا يا ربنا".
فقد كان الصديق رضي اللّه
عنه، حين حلف أن لا ينفع "مسطح بن أثاثة" (ابن خالته)، بنافعة أبداً،
بعدما قال
في "عائشة" ما قال في حادثة الإفك، وبعد أن برأها الله من فوق سبع سماوات،
عفا
عنه وأحسن إليه بسبب تلك الآية.
فهل تدبرنا هذه الآيات
لتسكن النفس ويرتاح القلب؟ أم نكون من الذين قال الله فيهم {أَفَلَا
يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا}؟!
فلنتسامح، ولنكن مثل "أبي ضمضم" من الصحابة رضي الله عنهم، كان إذا أصبح
قال:
اللهم لا مال لي أتصدق به على الناس، وقد تصدقت عليهم بعرضي، فمن شتمني أو
قذفني فهو في حِل. فقيل: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من يستطيع أن
يكون
منكم كأبي ضمضم!!