لما علم طارق بقدوم جيشٍ للأعداء كبيرٍ يقوده الملك "لُذَرِيقُ " طلب من موسى تعزيزا فأرسل له خمسةَ آلاف جندي، فأعدَّ طارق جيشه وألقى خطبته المشهورة قائلا فيها:
أيها الناس: أين المفر؟ البحر من ورائكم والعدوّ أمامكم، وليس لكم -والله- إلا الصدق والصبر. واعلموا أنكم في هذه الجزيرة أضيع من الأيتام على مائدة اللئام. وقد استقبلكم عدوّكم بجيشه وأسلحته، وأقواته موفورة، وأنتم لا وزر لكم إلا سيوفكم، ولا أقوات إلا ما تستخلصونه من أيدي عدوّكم. وإن امتدت بكم الأيام على افتقاركم -ولم تُنجزوا لكم أمراً- ذهبت ريحكم، وتعوَّضت قلوبكم من رُعبها منكم الجرأة عليكم، فادفعوا عن أنفسكم خذلان هذه العاقبة من أمركم بمناجزة هذا الطاغية، فقد ألقت به إليكم مدينته الحصينة، وإن انتهاز الفرصة فيه لممكن إن سمحتم لأنفسكم بالموت. وإني لم أحذركم بأمر أنا عنه بنجوة، ولا حملتكم دوني على خطة أرخص متاعٍ فيها النفوس. أبدأ بنفسي، واعلموا أنكم إن صبرتم على الأشق قليلاً استمتعتم بالأرفه الألذّ طويلاً، فلا ترغبوا بأنفسكم عن نفسي، فما حظكم فيه بأوفر من حظي. وقد بلغكم ما أنشأت هذه الجزيرة من الخيرات العميمة. وقد انتخبكم الوليد بن عبد الملك أمير المؤمنين من الأبطال عرباناً، ورضيكم لملوك هذه الأرض أصهاراً وأختاناً، ثقةً منه بارتياحكم للطعان، وسماحكم بمجالدة الأبطال والفرسان ليكون حظه منكم ثواب الله على إعلاء كلمته وإظهار دينه بهذه الجزيرة، وليكون مغنمها خالصة لكم من دونه ودون المؤمنين سواكم، والله تعالى ولي إنجازكم على ما يكون لكم ذكر في الدارين.
واعلموا أني أول مجيب إلى ما دعوتكم إليه، وإني عند ملتقى الجمعين حامل بنفسي على طاغية القوم (لذريق) فقاتِلُه -إن شاء الله تعالى- فاحملوا معي،فإن هلكت بعده فقد كُفيتُم أمره، ولم يعوزكم بطل عاقل تسندون أموركم إليه، و إن هلكت قبل وصولي إليه فاخلفوني في عزيمتي هذه واحملوا بأنفسكم عليه، واكتفوا الهمّ من فتح هذه الجزيرة بقتله.