أسمـاءٌ
فـي القُـرآن الكريـم
محمد رجب السامرائي
1426هـ- 2005م
صدر الكتاب
عن دار البشائر الإسلامية – بيروت - لبنان 2005م
بسم الله الرّحمن الرحيم
قال تباركت أسماؤه:
{ربنا أغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب}
صدق الله العظيم
الفهرســــــــــــــــــــت
المقدمـة
الفصل الأول:
المواضع والأماكـن
·
الكعبة المُشرفة
·
المساجد
·
بابـل
·
مديـن
·
الرّس
·
الكهف
·
الجنّة
الفصل الثاني: الصفـــات
·
الرّحمن
·
الحقّ
·
الجميل
·
الفقراء
الفصل الثالث: الشخصيات
·
يأجوج ومأجوج
·
لقمان وابنه
·
مؤمن آل فرعون
·
أخوة يوسف
·
امرأة العزّيز
·
ذو القرنين
الفصل الرابع:
النباتات والفواكه
·
شجرة الزقوم
·
الكافور
·
الثمار
·
العرجون
·
الطلـح
·
التيـن
·
الرمان
الفصل الخامس: الحيوانات والحشرات
·
الفيل
·
الذئب
·
الدّابة
·
الحيّة
·
البغال
·
الذباب
كشاف الموضوعات
المقدمـة
الحمد لله
ربّ العالمين الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أفضل خلق الله أجمعين محمد وآل
بيته الطاهرين، وصحابته الكرام أجمعين رضي الله عنهم جميعاً، وبعد:
فقد أشار
كتاب الله المعجز- القرآن الكريم- في العديد من آياته وفي سوره إلى ذكر الكثير من
المواضع والأماكن، والصفات، والشخصيات القرآنية التي جاء ذكرها في سياق الآيات
الكريمات، وكذلك وردت أسماء عدد من الشخصيات التي كان لها دور في السور، فضلاً عن
الإشارة إلى الكثير من النباتات والفواكه، ومثلها الحيوانات والحشرات.
وقد عقدنا
الكتاب الذي هو في الأصل برنامج إذاعي كتبته لإذاعة جمهورية العراق في بغداد خلال
الدورة البرامجية الخاصة بشهر رمضان المبارك للعام 1991م بثلاثين حلقة. واستعنت في
كتابته إلى عشرات المصادر والمراجع المختلفة لكتّاب عديدين أسأل الله تعالى لهم
الأجر على صنيعهم هذا وأن يجعله في ميزان حسناتهم. كما قمت بتعديل الحوار وجعلته
على شكله الحالي، وصنفت موضوعاته إلى خمسة فصول تشكلت على النحو على التالي:
الفصل
الأول: خصصته للمواضع والأماكـن أشرت فيه لسبعة منها وهي: " الكعبة
المُشرفة، المساجد، بابـل، مديـن، الرّس، الكهف، الجنّة". بينما
عرض الفصل الثاني " للصفــات" وشمال أربع منها تمثلت في: " الرّحمن، الحقّ، الجميل،
الفقراء".
أما الفصل
الثالث فهو عن: " الشخصيات" التي أشار إليها الكتاب الخالد وهي ستة شخصيات قرآنية: "يأجوج
ومأجوج، لقمان وابنه، مؤمن آل فرعون، أخوة يوسف، امرأة
العزّيز، ذو القرنين". كما تناول الفصل الرابع" النباتات والفواكه" التي ذكرت في القرآن الكريم حيث عرضنا لسبعة أنواع منها: " شجرة الزقوم، الكافور، الثمار، العرجون، الطلـح، التيـن، الرمان". وختم
الكتاب بالفصل الخامس عن:" الحيوانات والحشرات" قدمنا فيه لستة منها
والمتمثلة في: " الفيل، الذئب،
الدّابة، الحيّة، البغال، وأخيراً الذباب".
أخيراً: نسأل الله العزّيز أن يجعل عملنا
خالصاً لوجهه الكريم، وهو حسبنا
ونِعم الوكيل، وهو المستعان في كلّ حين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين محمد عليه الصلاة
والسلام،،،
محمد رجب السامرائي
محرم- صفر 1426هـ/ آذار" مارس" 2005م
أبو ظبي
الفصل
الأول
المواضع والأماكـن
·
الكعبة المُشرفة
·
المساجد
·
بابـل
·
مديـن
·
الرّس
·
الكهف
·
الجنّة
الكعبة المشرفة
الكعبة هي بيت الله الحرام. أقدم وأقدس
واشرفُ واعرقُ بيتٍ وُضِعَ للنّاسِ مكة في الجزيرة العربية بأم القرى، وهي نفسها بكة في القرآن الكريم في سورة آل عمران.
تقول كعبتُ الشيءَ بمعنى ربعته، وكلّ بيت
مربع عند العرب كعبة، وسمي كعبة لارتفاعه. واختلف المؤرخون والعلماء في كيفية بناء
الكعبة المشرفة ,يقول الخالق وهو يخاطب الملائكة :"أني جاعل في الأرض
خليفة". وقالت الملائكة لربّ العزّة في ذات السورة:"أتجعل فيها من يفسد
فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك". فغضب عزّ وجلّ على الملائكة
واعرض عنهم, فعاذوا بعرشه العظيم, وكانوا حوله سبعاً
يسترضونه من غضبة عليهم ويقولون: اللهم لبيك .. ربّنا معذرة إليك .. نستغفرك ونتوب
إليك.
و لقد رضيّ
سبحانه تعالى على ملائكته وأوحى إليهم أن ابنوا لي بيتاً في الأرض، يتعوذ
به من شخص عليه من عبادي ،ويطوف حوله كما طفتم حول عرشي، فأرضى عنه كما رضيت عنكم،
فبنوا بيت الله الحرام الكعبة المشرفة وقبلة المسلمين.
ويقول آخرون أنّه لما اهبط الله تعالى آدم
وطرده من جنات الخلود إلى الأرض قال له :يا آدم اذهب فابن لي بيتا، وطف به واذكرني
عنده ،كما رأيت الملائكة تصنع حول عرشـــي. فاقبل
سيدنا آدم يتخطا، وطويت له الأرض وقبضت له المفازة، فلا
يقع قدمه على شيء من الأرض إلا صار عمرانا" حتى انتهى إلى موضع البيت الحرام.
فقذفت الملائكة لآدم بالصخر، ولا يستطيع حملها ثلاثين رجلاً". وبناه عليه
السلام من خمسة جبال هي: حراء، وطور
سيناء، ولبنان، والجودي، ومن طوزيتا، وقواعد البيت الحرام أي الأساس من حراء.
كذلك ذكر في بعض الأخبار عن بناء الكعبة
المشرفة في مكة أن الله تعالى اهبط مع آدم عصبة السلام بيتا"، فكان
يطوف به والمؤمنون من ولده وكذلك إلى زمان الغروب ثم دفعه تعالى فصار في السماء
،وهو الذي يدعى بالبيت المعمور.
ولم يزل بيت الله الحرام بكعبته المشرفة منذ
هبط آدم عليه السلام مُعظماً محرما
تتناسخه الأمم والملل، أمة بعد أمة ومِلَةٍ بعد مِلةٍ،كانت تحج إليه ملائكة الرحمن
. قال تعالى لإبراهيم الخليل بعمارة البيت في
البقرة: " وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا انك أنت
السميع العليم، ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة
لك وارينا سكنا" وتب علينا انك أنت التواب الرحيم ".
ولمّا انتهى إبراهيم عليه السلام إلى موضع
الركن قال لولده :يا بني ابغي حجرا" اجعله للناس علما". فجاءه بحجر فلم
يرضه.وأمر بثان ،فذهب يلتمس فجاءه وقد أتى بالركن فوضعه موضعه. فقال: يا أبه ؟ من
جاءك بهذا الحجر ؟فقال إبراهيم عليه السلام:جاءني به من لم يكلني إليك .
وبعدما فرغ إبراهيم عليه السلام من البناء
أتاه جبريل عليه السلام فقال له طف؟ فطاف إسماعيل عليها السلام سبعا يستلمان
الأركان ،فلما أكملا صليا خلف المقام ركعتين وقان معه جبريل واراه المناسك كلها:
الصفاء والمروة، ومِنىً، ومزدلفة .
ولما دخل إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام
مِنىً وهبط من العقبة فقال له جبريل عليه السلام وأرحه ؟ فرماه بسبع حُصيّات فغاب
إبليس عنه ثم برز له عند الجمرة الوسطى، فأمره
الوحي أن يرميه، فرماه بسبع حُصيّات
،فغاب عنه أيضا" ،ثم برز له عند الجمرة السفلى فقال له جبريل:ارمه ،فرماه
بسبع حُصيّات ثم مضى وجبريل يعلمه المناسك حتى انتهى إلى عرفات.
ثمّ
خاطب الوحي جبريل سيدنا إبراهيم بقوله:أعرفت مناسكك .فأجابه نعم عرفتها فسميت
عرفات كذلك. وأمره عزّ وجلّ بأن يؤذن في المسلمين بالحج ،فأذن وبقيت الكعبة على
عمارتها من إبراهيم إلى أن بلغ نبينا صلى الله عليه وسلم خمسا وثلاثين سنة من عمره
حينما جاء مكة سيل عظيم فهدم الكعبة المشرفة وتصدعت وأرادت بناءها قريش وخافوا من
حية تحت البناء فبعث عزّ وجلّ طيرا ضخم الجناح اسود اللون فغرز مخالبه في قفاها
وانطلق بها.
وقامت قريش بهدم البيت وبنوة بحجارة الوادي
ورفعوها عشرين ذراعا" حتى بلغوا موضع الركن فاختصمت قريش في الركن بأي
القبائل تشرف برفعة فحكموا بأول من يطلع عليهم من الطريق، فكان
عليه الصلاة والسلام فارتضوا حكمه لأنه عندهم الصادق الأمين، فأقرّ
بالركن فوضع في ثوب واخذ سيد كل قبيلة طرف الثوب فرفعوا إليه الركن فوضعه الرسول
عليه الصلاة والسلام في مكانه ،ظهر النبي
الكريم صلى الله عليه وسلم الكعبة المشرفة بتهديمه الأصنام والأوثان التي عبدها
أهل قريش بعد شركهم حين فتح مكة المكرمة في شهر رمضان المبارك وارتقى الصحابي بلال
الحبشي ظهر الكعبة ليعلن نشيد الله اكبر.. وليؤذن للناس كافة بإعلان الإسلام
القويم.
وقد تعرضت الكعبة لحملة إبرهة الحبشي من أصحاب
الفيل لهدمها وأنقذها الخالق بالطير الأبابيل.. ومنذ
ذلك العهد أصبحت الكعبة مثابة للناس وقبلة المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها.
المساجـــــد
ورد ذكر المسجد
والمساجد والمسجد الحرام في القرآن الكريم ،بلفظها – ثمانيا
وعشرين مرة، ووردت الإشارة إلى المسجد الحرام بلفظ بيت سبع عشرة مرة، ووردت
الإشارة إليه باسم مقام إبراهيم ومصلى مرة واحدة ووردت الإشارة إلى المساجد بلفظ
البيوت مرة واحدة ، ولكل مرة مناسبتها. فذكر عزّ وجلّ المساجد عامة نحو مسجد قبل
الإسلام فقال في سورة الكهف /18:"
وكذلك أعثرنا عليهم ليعلموا أن وعد الله حق و أن الساعة لا ريب
فيها إذ يتنازعون بينهم أمرهم فقالوا ابنوا عليهم بنيانا ربهم اعلم بهم قال الذين
غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجدا".
وجه الله تعالى كلامه إلى بني إسرائيل في سورة
الإسراء /7 : " أن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها فإذا جاء وعد الآخرة
ليسوءا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا ".
وعن إعداد المساجد يقول تبارك وتعالى في سورة
البقرة/114-115: " ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في
خرابها ما كان لهم أن يدخلوها غلا خائفين لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب
عظيم . ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله إن الله واسع عليم ".
يقول الخالق العظيم في بعض أحكام المساجد في سورة الأعراف /29-31: " قل أمر
ربي بالقسط وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد وأدعوه مخلصين له الدين كما بدأكم تعودون
". وقال: " يا بني أدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا
تسرفوا إنه لا يحب المسرفين ".
ومن حكمة القرآن الكريم قوله جلّت قدرته في
سورة الحج /40 :" ولولا دفع
الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيراً
ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزّيز ". كما أشار
القرآن الكريم للمسجد الحرام بثمان وعشرين مرة فقال الحق في سورة الإسراء /1:
" سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي
باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير ".
كذلك قال الله
سبحانه وتعالى في ذكر المسجد الحرام في سورة الحج /25-27: "إنّ
الذين كفروا أو يصدون عن سبيل الله والمسجد الحرام الذي جعلناه
للناس سواء العاكف فيه والباد ومن يرد فيه بالحاد بظلم نذقه من عذاب أليم وإذ
بوأنا لإبراهيم مكان البيت أن لا تشرك بي
شيئا وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً
وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق " .
وجاء ذكر
المسجد الحرام بلفظ البيت بقوله الكريم في سورة البقرة/125-: 126"
وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا واتخذوا من
مقام إبراهيم مصلى وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهر بيتي للطائفين والعاكفين
والركع السجود. وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلدا آمنا وأرزق أهله من الثمرات من
آمن فيهم بالله واليوم الآخر قال ومن كفر فأمتعه قليلا ثم أضطره إلى عذاب النار
وبئس المصير. وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت
السميع العليم".
وورد المسجد
الحرام بلفظ البيت أيضا في سورة البقرة /158" إنّ
الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو أعتمر فلا جناح عليه أن
تطوف بهما ومن تطوع خيرا فإنّ الله شاكر عليم
". كما ورد ذكره بلفظ البيت في سورة قريش /1-:4"
لإيلاف قريش. إيلافهم رحلة الشتاء والصيف فليعبدوا رب هذا البيت. الذي أطعمهم من
جوع وآمنهم من خوف".
وذكر المسجد الحرام بلفظ البيت بقوله عزّ وجلّ
في سورة المائدة /97 :" جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس والشهر
الحرام والهدى والقلائد ذلك ليعلموا أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض وإن
الله بكل شيء عليم ". ممن يجوز بناء المساجد يذكر الله جلّ شأنه في سورة
التوبة /17-18 " ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله شاهدين على أنفسهم
بالكفر أولئك حبطت أعمالهم وفي النار هم خالدون . إنما يعمر مساجد الله من آمن
بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلاّ الله فعسى أولئك أن
يكونوا من المهتدين".
أما مسجد الضرار ومسجد التقوى فجاء عنه في
سورة التوبة/ 107-108:" والذين اتخذوا مسجد ضِراراً
وكفراً وتفريقاً
بين المؤمنين وارصاداً لمن حارب
الله ورسوله من قبل وليحلفن إنْ أردنا إلاّ
الحسنى والله يشهد إنهم لكاذبون لا تقم فيه
أبداً لمسجد أُسِسَ على
التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه فيه رجال
يحبون أن يتطهروا والله يحبُّ المُطّهرين".
بابــــــــــل
بسبب ورود بابل في حادثة السحر والملكين
وسليمان عليه السلام وبسبب الأخذ من روايات بني إسرائيل والقصص الأولى وبسبب ما
يحكيه الناس من أساطير حول السحر والسحرة وأعمالهم المخيفة وبسبب النقل أيضاً من
مؤلفات اليونانيين والرومان الذين كانوا يجمعون أعاجيب الشرق وقصصه، أصبح لبابل
ذكرا كثيرا في كتب التفسير والتاريخ والجغرافيا اختلطت فيه الحقائق بالأباطيل
وتغيرت فيه الثوابت وأضيف إلى وصف بابل العديد من الخيالات لدرجة تبعد عن الواقع
التاريخي الذي تأكد بمرور الزمن نتيجة للتطور في الاستكشافات الآثارية وظهور
العديد من النقوش والكتابات البابلية التي أماطت اللثام عن الواقع التاريخي
للمدينة العظيمة. وقبل الخوض في حقيقة بابل وباطلها سوف نفسر الآية حسب الرأي
الراجح البعيد عن الأساطير والحكايات، يقول تعالى في سورة البقرة/102:"واتبعوا
ما تتلو الشياطين على ملك سليمان وما كفر
سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما
أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت
وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر".
وقد تباينت روايات وآراء وأقوال المفسرين
والرواة والمؤرخين والجغرافيين في تحديد موقع بابل ودورها السياسي والعسكري
والديني ومعناها اللغوي. وسوف نتطرق إلى تلك الأقوال محاولين نقدها وتقويمها ثم
سوف نتحدث عن تاريخ بابل ومعنى الاسم اللغوي لبابل كما هو معروف من المصادر
والسجلّات القديمة سواء كانت في بلاد الرافدين أو خارجها.
وذكر كثير من المؤرخين أن بابل المعنية في
الآية قد تكون في العراق أو هي نهاوند أو هي نصيبين بل وضعها البعض في بلاد
المغرب. وبلا شك ان كل التحديدات التي تخرج ببابل خارج بلاد الرافدين هي تحديدات
غير صحيحة ولا توجد في بلاد المغرب أو المشرق مدينة مشهورة ببابل سوى بابل بلاد
الرافدين. بل اسم بابل يعني منطقة أكبر من مدينة بابل نفسها، تحتوي على عدد من
البلدات والقرى.
كذلك أرجع عدد من الرواة المسلمين تسمية بابل
إلى رواية مفادها انه بعد أن توقفت سفينة نوح على الجودي خرج منها نوح
وأتباعه" وابتنوا ثمانين بيتا، فلما كثروا ابتنوا بابل، فكثروا فيها حتى
بلغوا مائة ألف، وملكهم نمرود بن كنعان بن سنحاريب بن نمرود بن كوش بن حام بن نوح،
فردهم عن الإسلام، فأمسوا وكلامهم السريانية، وأصبحوا وليس منهم مخلوق يعرف كلام
صاحبه، فتبلبلت ألسنتهم" وهذه الرواية يبدو عليها الانتحال نظرا لأن راويها
ابن الكلبي وهو ضعيف، بل متهم بالكذب. وفي رواية مشابهة رواها داود بن أبي هند عن
علباء بن أحمر عن عكرمة عن ابن عباس أن نوحاً
عليه السلام لما هبط إلى أسفل الجودي ابتنى قرية سماها ثمانين فأصبح ذات يوم وقد
تبلبلت ألسنتهم على ثمانين لغة، إحداها اللسان العربي.
ومدينة بابل، مدينة عريقة تقع على نهر الفرات،
وتبعد عن بغداد90 كم جنوبا، وهذه المدينة تقع بالقرب من أضيق منطقة يتقارب فيها
نهرا دجلّة والفرات. ولموقعها أهمية كبيرة فهي في وسط بلاد الرافدين بصورة عامة،
وتقع في مناطق يتركز فيها العمران والسكان والزراعية، ولها مناعة جغرافية وطبيعية.
ونشأت في المدينة أسرة عرفت بالأسرة البابلية
الأولى، أسسها الملك سمو ـ أبوم1894 ـ 1881 ق . م،
ويعدّ حمورابي 1792
ـ 1750 أو 1728 ـ 1686 ق. م من أشهر ملوك الدولة البابلية الأولى، وهو كذلك من
أشهر الحكام في التاريخ القديم. ونالت مدينة بابل حظا وافرا من الاهتمام حتى فاقت
كل عواصم بلاد الشرق المعاصرة لها، وأصبحت محط إعجاب الجميع ومرتعا خصبا للأساطير
والقصص والحكايات. وقد سقطت الدولة البابلية الأولى على يد مورسيليس الأول 1620ـ
1590 ق.م أحد أشهر ملوك الحثيين. ثم نشأت في بابل الدولة الكاشية أو أسرة بابل
الثالثة 1595 ـ 1157ق. م، والكاشيون في الأصل
من قبائل هندو ـ أوربية، جبلية، سكنت شرق بلاد الرافدين. تمكنوا من فرض نفوذهم على
بلاد الرافدين مدة حوالي 576 سنة.
وقد أخذ اليهود تعاليم السحر والشعوذة من
بابل التي اشتهرت بهذا في عصورها المختلفة، ووضع البابليون قوانين لعلم السحر
والشعوذة الذي كانت له مكانة عالية في النفسية والعقلية البابلية والشرقية في
العصور القديمة، كذلك عرف البابليون السحر البيض النافع والسحر الأسود الضار،
وعبدوا آلهة مخصصة للسحر لدفع الضرر وجلّب
الخير ومقاومة الأرواح الشريرة مثل الربة أيا وابنها الإله مردوخ. وكان السحر يتمتع
في المجتمع البابلي باحترام لم يكن يخلو من الخوف والحذر. وكان رجال الكهنوت من
المرتبة الأولى لرجال الدين يقيمون طقوسا خاصة بذلك وتؤدي كذلك صلوات وتراتيل.
ويلعب الشياطين دورا بارزا في السحر، وكان الساحر يقارع الشياطين الشريرة الضارة،
بدعم من الإله مردوخ، وقد استخدم البابليون السحر في الطب وشفاء الأمراض.
مديــــــــــــن
مدن في اللغة تعني الإقامة بالمكان، ومدين
اسم أعجمي، وإن اشتق من العربية فمعنى ذلك أن" الياء" زائدة وهم ولد
مدين أو مديان بن إبراهيم من امرأته قطورا، وكان قد اتخذها لنفسه مسكنا فنسبت
إليه. وقد عاش مدين عمراً طويلاً،
وتزوج امرأة من العمالقة فولدت له أربعين بنين، ونسلوا، فكثر عددهم في حياة مدين
نفسه. ويرى أنه أمرهم ببناء مدينة حصينة سموها مدين.
وتقع أرض
مدين في الشام تلقاء غزة، ليست بعيدة عن ارض معان، وهي قريبة من بحر القلزم- الأحمر-
على بعد 73 كم. وكان
بينها وبين مصر ثمانية أيام، كما بين الكوفة والبصرة. ويمتد
ساحل مدين على طول خليج العقبة لمسافة حوالي 200
ميل إلى الجنوب، ومن رأس الخليج إلى الشمال نحو 36
ميلاً، وهو ساحل متعرج. وعلى هذا الساحل تقع المدينة القديمة لمدين، والتي سماها
بطليموس ويوسيبيوس موديانا ومودونا ولعلها هي مودين الواردة في سفر المكابيين
الأول.
ومدين أكبر من تبوك، وتبعد عنها 220 كم، وهي
على العموم تقع على تخوم الحجاز الشمالية مع بلاد الشام. أما المقريزي فيجعل مدين
من أرض مصر وليس من أرض الشام. والبعض جعل مدين تقع بين منطقة شاسعة تمتد بين طور
سيناء ونهر الفرات. واعتبر البعض أن مدين من أعمال المدينة المنورة، وتابعة لها.
وعلى حسب تحديد العهد القديم فإنّ
المديانيين قد بنوا مستوطناتهم إلى الشرق من الحافة الشمالية للبحر الأحمر على طول
خليج العقبة. وقيل: إنّ مدين اسم
عربي لما كانوا عليه.
كذلك قيل: اسم
بلد وجعل أسماء للقبيلة، وهو الأرجح. وقال البعض: إنهم هم أصحاب الأيكة ويقال: إن
بلدة البدع الحالية تشغل ما كان يعرف بمدين. وهذه البلدة تقع إلى الغرب من تبوك،
على بعد 220 إلى 250كم، وتقع إلى الشرق من خليج العقبة، على بعد 70
كم ، وبها مكان يعرف بمصلى شعيب، وآثار نبي الله
شعيب المعروفة بمغاير شعيب، وهو موضح فيه آثار ومجموعة من القبور القديمة.
ويروى بأنّ
مدين هي قرية كفر مندة الواقعة بين طبرية وعكا، وبها البئر الذي استقى منه موسى
عليه السلام، ويقال: بأن بها قبر صفورة زوج موسى، وفيها ولد ولدان ليعقوب، يقال:
لهما أشير ونفتالي. ويقال: إنّ في بادية
طبرية عدد من قبور الأنبياء كشعيب عليه السلام ولا شك هذا التحديد بعيد عن الواقع
التاريخي، نظرا لأنه يجعل مدين في أرض الشام بعيدة عن سيناء حيث لجأ موسى فارا من
فرعون وحيث وصل وقومه بعد ذلك، وتاهوا في الصحراء.
وذكر البعض أن ملوك مدين الذين هلكوا يوم
الظلة هم أبجد أو أبو جاد وهوز وحطي وكلمن وسعفص وقرشت. وإن أخت كلمن قالت شعرا
ترثي أخاها. وقد كان ابجد يحكم مكة وماولاها من أرض الحجاز، وهوز وحطي بأرض
الطائف، وكلمن وسعفص وقرشت بأرض مصر أما بخصوص الشعر لا ندري كيف وصل إلى الرواة
مع الفارق الزمني الشاسع بين مدين وبين فترة رواية الشعر، كما أن الشعر مروي
بكلمات عربية فصيحة،ربما لا نعرف الصلة بين لغة مدين واللغة العربية المعروفة
إضافة إلى أن أسماء الملوك هي عبارة عن حروف الهجاء في عدد من اللغات السامية
كالعبرية والسريانية. ولقد كان المديانيون قوما تجارا،
يتاجرون بالذهب والبخور مع اليمن، وبعضهم كانوا بدوا قاموا بمهاجمة بني إسرائيل في
فلسطين في عصر القضاة.وسكن فرع من المديانيين بالقرب من جبل سيناء.
وقد أطلق
عليهم بعض المؤلفين أرومان واليونانيين لفظة أي عرب أو بمعنى ىخر بدو على سكان
مدين من الإسماعيليين والمديانيين ولهذا قال البعض إن المديانيين عرب. وقد بعث
الرسول صلى الله عليه وسلم سرية إلى مدين أميرهم زيد بن حارثة فأصاب سبياً
منهم. وقد استقرت قبيلة جذام في أرض مدين ولذلك يقال: إن شعيباً
عليه السلام أحد بني وائل من جذام. ويذكر بعض النسابة أن جذام من ولد يعفر بن مدين
بن إبراهيم، ويوردون حديثا للنبي صلى الله عليه وسلم يقول فيه لوفد جذام:"
مرحبا بقوم شعيب وأصهار موسى ولا تقوم الساعة حتى يتزوج فيكم المسيح ويولد
له" والوضع في هذا الحديث ظاهر بين، خاصة أنه من مرويات ابن الكلبي، وهو
تالف، ولا تقبل رواياته. كما أنه يتعارض مع الحديث الحسن الذي يرويه الترمذي عن
فروة بن مسيك المرادي عن النبي صلى الله عليه وسلم من أن جذام من نسل سبأ، الذين
هاجروا من اليمن واستقروا في الشام كما أنه في السيرة لم يرد ضمن الوفود ذكر وفد
قبيلة جذام، سوى قدوم شخصين أحدهما وفادة رفاعة بن زيد بن عمير بن معبد الجذامي
الذي ذكر بأنه أهدى للنبي صلى الله عليه وسلم عبدا والثاني فروة بن عمرو بن
النافرة الجذامي الذي بعث إلى النبي صلى الله عليه وسلم بإسلامه وأهدى إليه بغلة
بيضاء وفي الروايتين علل الانقطاع وضعف الإسناد، فبالتالي فالروايتان ضعيفتان إذن
فإننا لا نرى نسبة أو علاقة بين جذام ومدين خاصة أن السابين والرواة ذكروا أن مدين
من نسل إبراهيم عليه السلام، وليس من نسل سبا وقد نسب الرواة جذام إلى جذام عمرو
بن عدي بن الحارث بن مرة بن أدد بن غريب زيد كهلان بن يشجب ويقول المقريزي: إنّ
مالك بن دعر بن حجر بن جديلة بن لخم كان له 24 ولدا ذكرا، كثرت أولادهم حتى بنوا
المدائن والقرى والحصون وعمروا بلاد مدين كلها وغلبوا على بلاد الشام ومصر والحجاز
وغيرها 500 سنة وإن ملوك مدين استولوا على مصر مدة 500 سنة بعد غرق فرعون موسى
وهلاك دلوكة بنت زفان حتى أخرجهم منها سليمان عليه السلام وبالتأكيد أن هذه القصة
تناقض حقائق ووقائع التاريخ.
كما أشار
المقريزي أيضا أنه كان بأرض مدين عدة
مدائن قد باد أهلها وخربت وبقي منها إلى أيامه حوالي عام 825هـ نحو الأربعين مدينة
قائمة، منها ما يعرف اسمه ومنها ما قد جهل اسمه.
وفي موضع مدين اليوم العديد من الخرائب وإلى
والآثار الدالة على ازدهار المنطقة في عصور سابقة، وتشهد على ما مرت به من أحداث
وتطورات وتشمل الآثار مبان وبقايا قصور ومعابد وقبور وأدوات فخارية ومعدنية وحجرية.
ويقال: إن في أرض مدين كهف كان يأوي إليه شعيب عليه السلام، وفيها جبال كثيرة
وفيها كهوف ومغارات تحت الأرض، فيها عظام بالية عليها رواسخ مبنية، وهم قوم شعيب
عليه السلام الذين أهلكهم الله تعالى. كما أن مدين شهدت عددا من الدول والممالك
والأحداث التاريخية، وقال تعالى في سورة
الأعراف/85: "وإلى مدين أخاهم شعيبا".