III العولمـة ... مغانـم أم مغـارم؟ بعد
التعرض للعولمة الاقتصادية كظاهرة, و دراسة جوانبها مع التركيز على الجانب
المالي, بقي أن نعرف ما هـي مغانم و كذا
مغارم العولمة؟
و بالتالي ما
آثار هذه الظاهرة على اقتصاديات دول العالم, خاصة النامية منها مع إعطاء لمحة عن
الاقتصاد الجزائري في ظل هذه الظاهرة.
-1-III الآثار المترتبة على العولمة الاقتصادية: تضارب
أهل الذكر الاقتصادي و السياسي حول مفهوم العولمة, فقد جعلها البعض مرادفا
"للأمركـة", و منهم من يراها مرادفا "للأوربة", و منهم من يرى
أنها تعني اقتصاداً كونيـاً ... و هـو ما جعل مارشال ماكماهون :" على سطح
سفينة الأرض لم يعد هناك ركاب, فقد تجولنا جميعا إلى طاقم يتولى القيادة".
(1)و الأمر المتفق
عليه بين كافة الفرقاء جميعا هو أنّ العولمة أصبحت أمراً واقعاً, لكن الخلاف بينهم
حول أسبابها و نتائجها و منافعها, و ما هو الثمن الذي سيدفعه الأغنياء؟ و ما هو حجم الكارثة التي يستعرض الفقراء ؟
و يرى المؤيدون
للعولمة, أنها لحظة رائعة في تاريخ
البشرية, يحدث فيها تفوق السوق على الدولة و الاقتصاد و السياسة..., هذه اللحظة
جاءت بمكاسب صافية للبشرية جمعاء, فبفضلها ارتفع الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي
للعالم من 02 تريليون دولار
إلـى 68 تريليون دولار في 1995,
و إذ قسمنا هذا الرقم على عدد السكان نجد أنّ المتوسط لعالمي لنصيب الفرد ارتفع من
614 دولار في 1965
إلـى 4908$ في 1995.
لذلك ارتفع حجم
الصادرات العالمية بمتوسط سنوي بلغ %6.7 خلال (1980-1965), و %4.7
خلال (1990-1980), و %6
خلال (1995-1990), و تجاوز إجمالي حجم التجارة العالمية (في
شكل صادرات و واردات) 05 تريليون$ في 1995, مقابل 03
تريليون$ سنـة 1980.
و رغم أنّ سكان
العالم زادوا بمقدار 1.9 مليار نسمة, فيما
بين 1996-1970, فقد بلغ متوسط معدل نمو دخل الفرد السنوي
في البلدان النامية نحو %1.3.
و خلال هذه
الفترة, زادت بسرعة كذلك التدفقات رؤوس الأموال, و زاد صافي الاستثمار الأجنبي من
أكثر من مليار $ في 1995, و زادت تدفقات
محافظ أسهم رأس المال من لاشيء إلى 32 مليار$ في نفس
الفترة.
و ما يريد أن يقوله
يور دون هذه الأرقام أنّ العولمة بآلياتها و مؤسساتها مثل منظمة التجارة العالمية,
و الترتيبات التي يتم فرضها لتسيير و زيادة التجارة الدولية, و الاتفاقيات التي
يتم إبرامها في هذا الصدد, و عوامل الإكراه التي تدفع الكثير الغالبة من الدول
للإنضمام لركب العولمة, كل هذا يحقق رخاء العالم بأسره حتى و إن تباينت حظوظ كل
منهم نتيجة لهذه الظاهرة.
يرى المناهضون
لها, أن متاعبها لا حصر لها, تتجسد في الآثار التالية:
(1)-1 الآثار الإجتماعيـة: للعولـمة
أبعاد اجتماعية خطيرة نتيجة للفوضى الاقتصادية السائدة في العالم, فقد انعكست
نتائجها سلباً خاصة على دول الجنوب الفقيرة, حيث تركزت آثارها لدى نسبة قليلة أو
ما يسمى (1/5 الرفاهية), و
اتسعت الفروق بين الأغنياء و الفقراء, فهناك إحصائية تشير إلى أن 358 مليار تيليريون، يمتلكون ثروة تضاهي ما
يملكه 2.5 مليار من سكان لعالم, %20
من سكان العالم تحتكر %85 من الناتج العالمي
الإجمالي, و على %84 من التجارة
العالمية على المدخرات العالمية, و انتشرت ظاهرة البطالة و الفقر و البؤس, و تفشي
الأمراض بأنواعها المختلفة, مما أنجر عنه ظاهرة العنف و الإجرام المنظم, و مافيا
خطيرة لترويج المخدرات, و تستعمل التكنولوجية في أنشطتها, و أصبحت تشكل خطراً على
الحكومات و تسببت في التضخم المالي نتيجة للأموال السوداء.
فالنموذج الغربي
رأسمالي, جنت منه شعوب العالم الثالث المزيد من الفقر و الحرمان و البؤس و الشقاء,
و مزيدا من الاضطرابات الاجتماعية ثم الحروب الأهلية الانفصالية, فالنموذج
الرأسمالي الغربي هو نشر و تكريس الظلم الاجتماعي, و دفع الناس إلى السرقة و النصب
و الاحتيال, ثم بناء المزيد من السجون تكوين و إنشاء فرق لمحاربة الجريمة, و تخصيص
أموال ضخمة لتدريبها و تسليحها كما حدث في ساوبالو ( تم تشكيل فرق لقتل النصابين و
المجرمين التائهين), تحت شعار تنظيف المدينة,كذلك فرق الإبادة في ريودوجانيرو, و
لقتل الأطفال المشردين على أساس أنهم لا يشجعون السياحة, و يعيقون الاستثمار و
التنمية.
التجويع بالقوة
و نشر الفقـر: لدول
العالم الثالث مكان خصب للتروعات و صراعات الحروب الأهلية و الإقليمية, و بذلك نجد
أن حكومات هذه الدولة همها الوحيد, جمع و شراء الأسلحة و عقد الاتفاقيات و معاهدات
مع دول كبرى تنازل عن سيادة و مصالح و إحصائيات, تقوا أن دول العالم الثالث تستهلك
ما قيمة 50 مليار$ سنوياً لشراء الأسلحة لمحاربة
الواحدة منها الأخرى, فهذه تنفق %65 من ميزانيتها
الخاصة بالعلوم التكنولوجية على البحث و جهود التنمية المرتبطة بالنشاطات
الدفاعية, كما أنّ الصين و باكستان تحولان ما بين %7 - %6
من إجمالي إنتاجها لجهود الحرب.
فجهود دول
العالم الثالث تذهب نحو الخراب و الدمار, و هدم الطاقات عن طريق الحروب, بدل من
توجهها للتنمية و التطور, و تحسين المستوى المعيشي و محاربة الأمية, و الأمراض و
الدول الكبرى, و شركاتها المتعددة النشاطات هي وراء نشوب الخلافات, و ذلك لتشجيع
بيع الأسلحة و استنزاف الطاقات المادية و البشرية, و النتيجة عدم الاستقرار
الاقتصادي, و السياسي, و تهجير الكفاءات من الدول الكبرى.
فالمنطقة
العربية, لم تعرف الاستقرار السياسي و الأمني منذ أن دخل الاستعمار الغربي إلى
المنطقة, و إنشاء العصابة الصهيونية فيها, فمعظم الأموال العربية تم امتصاصها عن
طريق التسلح و الإنفاق العسكري من ذلك الحروب العربية الإسرائيلية, و حرب لخليج
إيران-العراق الأولى, و الثانـي العـراق –.USA
و الدول العربية تشتري %8 م الأسلحة التي
تباع في العالم, بحيث ازداد التسليح في العالم 6مرات,
و جندي مقابل 43 مدني, و سباق نحو
التسلح أدى بالإتحاد السوفياتي إلى مساق الدول الفقيرة.
-2 الآثار السياسيـة:(1) يجري
اليوم انقلاب جذري في العلاقات بين الدول, و يمكن طرح التساؤل التالـي: لمـن
السيـادة في هذا العالـم الجديـد ؟
و نحن في بداية
التحول الجديد الذي لا يعترف في حدود الدولة الإقتصادية, و السياسية, و الاتصالية
و المعلوماتية, فالسلطة عاجزة عن الإمساك بخيوط الحركة, و كانت بسياسة معولة في
النطاق المحلي, و هي من اختصاصات الدولة القومية و هي مرتبطة بالسيادة, و لكن أمام
بروز عالم بلا حدود اقتصادية و ثقافية أدى إلى بروز عالم بلا حدود سياسية, و ربما
في المستقبل يؤدي إلى وجود حكومة عالمية, و بالتالي الانتقال الحرّ للقرارات و
التشريعات, و بذلك لم تعد الدولة القومية هي صاحية القرار الوحيد, و بهذا أصبحت
المقولة: إن السياسة في كل أرجاء العالم أصبحت مرتبطة بالسياسة في كل أرجاء
العالم, أصبحت حقيقة, فالقرارات التي تتخذ في عاصمة من العواصم العالمية سرعان ما
يكون لها صدى في كل العواصم, أي خروجها من نطاقها الوطني إلى العالمي, أي سياسة
بلا حدود.
-3 الآثـار البيئيـة:(1) خلال
السنوات الأخيرة من القرن العشرين, برزت في بيئة الإنسان آثار سلبية خطيرة, مست
جوانب كثيرة من حياته منها, تلوث البيئة و الطبيعة, و التي مست الهواء, الملء,
الأرض (و التي هي مصدر حياة الإنسان: كالأكسجين للتنفس, و الماء للشرب...).
و من نتائجها
انتشار الأمراض الفتاكة, انتشار المخدرات, الجريمة المنظمة, انتشار الأسلحة
الفتاكة غير مشروعة التطرف و العنف, و قد اتخذت هذه الآفات صفة عالمية, فلم تبقى
معزولة في منطقة معينة, و لا في إقليم محدد, فلم يعد أية دولة مواجه و تصدي
لها, ف|أصبحت تستنجد و تنسق مع دول أخرى
أو منظمات جهوية أو عالمية.
و التلوث لم
ينحصر في بيئة الإنسان الطبيعية, بل امتد إلى بقية جوانب الحياة الأخرى
الاقتصادية, الاجتماعية, السياسية, الثقافية, الفكرية... و هذا ما سنبينه بالتفصيل
لاحقا.
فالاقتصاديات
تركزت الثروة لدى فئة قليلة (الخمس الثري) أو خمس الرفاهية, و سياسيا تصدير
النموذج الغربي الأمريكي للعالم المتخلف بدعوى نشر الديمقراطية و المحافظة على
حقوق الإنسان.
و اجتماعيا
مزيدا من الفقر و البؤس و الآفات الاجتماعية, و ثقافيا نحو الثقافة الاستهلاكية, و
القضاء على خصوصيات دول العالم المتخلف, و فكريا و دينيا المزيد من الاعتماد على
تطوير التكنولوجية و المزيد من العلمانية.
عوامل تلوث
البيئة: لم
يقتصر الصراع بين الإنسان, بل انتقلت العدوى إلى البيئة, فالصراعات الطبقية و
القومية و العرقية و السياسية و الاجتماعية و الحضارية, يمكن التخفيف منها عن طريق
الحوار و التقارب عن طريق شبكات الإنترنت, ووسائط الاتصال المختلفة, لكن الاعتداء
على طبيعتها و قوانينها, فالبشر يجهل هذه القوانين, و كلما زاد علما و قدرة على
قهر المشاكل زاد وعياً لما لا يعرفه, فالإنسان أصبح يحصد ما قدمت يداه.
فالأرض تعرضت
لتعرية بعد قطع الغابات, و الاستغلال المكثف للتربة, أدى إلى فقدان خصوبتها ثم
التصحر و الجفاف, و تلوث المياه و الهواء, ثم إبادة الحياة النباتية و الحيوانية و
المائية... ثم إن تكاليف البيئة و التكاليف الاجتماعية لا تدخلان في الحسابات
الاقتصادية... و يمكن حصر العوامل التي أدت إلى اختراق النظام البيئي فيما يلي:
-
1
ارتفاع درجة الحرارة: فقد أكد بيان أصدره خبراء أمريكيون و إنجليز
أخيرا أنه بسبب أنشطتنا السابقة و الحالية, فإنه يتعين علينا أن نبدأ في تعلم كيف
نتعايش مع العواقب المتوقعة, مثل: زيادة قسوة الأحوال الجوية, و ارتفاع مستويات
البحار و تغير أنماط الأمطار و الانعكاسات الإيكولوجية و الزراعية.
... إن فترة
التسعينات شهدت أكثر السنوات ارتفاعا في درجة الحرارة, و ذلك منذ بداية رصدها قبل 130 سنة, و حسب الخبراء فإن ثقب الأزون فوق
القطب الجنوبي هو المسؤول عن هذا الارتفاع, فقد زادت مساحة تصل إلى أكثر من 10 مليون كلم
2 عام 1999, أما القشرة الجليدية التي تغطي القطب
الشمالي فقد تقلصت مساحتها بمقدار 14 مليون كلم
2و تقلص سمكها بمقدار %40.
الأزون: غاز
أزرق سام بالنسبة للإنسان, و هو عند سطح الأرض يسبب متاعب تنفسية خاصة للأطفال
الصغار, و كبار السن, و طبقة الأزون تعمل كدرع واق للأحياء على الأرض من الأشعة
فوق البنفسجيـة (النشطة البيولوجيا).
في 1985-05-16 أعلن فارمان أنه و زملاؤه وجدوا ثقب أزون
فوق القارة القطبية الجنوبية في موريال (سبتمبر 1987),
تعهدت 27 دولة في تخفيض إنتاج الفاريونات إلى النصف
عند نهاية القرن العشرين, و عام 1996 تعهدت الولايات
المتحدة بالتوقف عن إنتاجه.
و في عام 1992 الناسا (nasa)
أعلنت عن ثقب الأوزون في الشمال و ربطوا بينه و بين بركان مونت بيناتوبو (أفريل 1992), حيث وصلت ملايين الأطنان من غازات كبريتية
ساعدت على تفاعلات تأكل الأزون, و هناك من ربط الإصابات بالسرطان, و هذا الثقب
(تزايدت نسبة الإصابة بالسرطان الجلد 8مرات), كما أن تغيرات و التحولات
التي عرفها الغلاف الجوي (الغازي) خلال السنوات الأخيرة مرتبطة بما يقوم به
الإنسان من نشاطات مختلفة, و حسب السكرتير العام للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية
أن أكثر من %60 من إجمالي الكوارث
الطبيعية يعود إلى التغيرات الجوية (أعاصير, سيول, فيضانات, جفاف, تصحر...)؛ و
الغلاف اجوي هو الوسط الذي تتفاعل فيه عوامل الطقس.
و خلال السنوات
الماضية يلاحظ ارتفاع في درجة الحرارة, خلال القرن الماضي ارتفعت بنسبة %0.5 , خلال و ينتظر أن ترتفع إلى %5 خلال 2020,
و هذا ما يؤثر في التوازن البيئي, فمثلا ارتفاع درجة الحرارة يؤدي إلى ذوبان
الجليد.
إن اقتصاد السوق
تتخذ أشكالاً مختلفة و لا تتقارب في نوع واحد موحد, و الواقع أنه حتى في نطاق كل
مجتمع قومي على حده يكون التقارب و الالتقاء محدوداً. و الواقع أنه رغم أنّ
النموذجين الياباني و الأوروبي للتنمية قد تأثر كثيراً بالنموذج الأمريكي, و أنهما
يدوران في فلك اقتصاد السوق الرأسمالية, فإن لهما خصائصهما المميزة و يختلفان ليس
فقط من الأهداف, و إنما أيضا في الآليات و الوسائل و في بعض الفلسفات.
بل إن النموذجين
الياباني و الأوروبي يطرحان نفسيهما كبديل ليس فقط للنموذج الأمريكي, و إنما
يعرضان ليحلا لدى دول العالم الأخرى, محل الشريك الأمريكي كمصدر للصادرات و كسوق
للواردات, من هذه الدول بل ة يقدما عمليتهما – اليورو و الين و خصوصا اليورو-
لتلعب نفس الأدوار التي يلعبها الدولار الأمريكي, خاصة كأداة ربط للعملات الأخرى
بها, و كوسيلة للتسويات بل و مخزن للقيمة.
و ما لحرب التي
تدور بين الشركات اليابانية و الأوروبية و الأمريكية على الأسواق و الصفقات و
تجسسها الاقتصادي على بعضها البعض, إلا نفى لهذا التقارب في الآليات و الوسائل, و
يشير البعض إلى أنّ الاقتصاد الدولي يؤثر على الاقتصاديات القومية بطريقتين مهمتين
على الأقل:
أولاً: قد تؤدي التغيرات في الاقتصاد الدولي إلى نقص أو
زيادة قوى بعض الدول و استقلالها.
ثانياً: قد
يعيد الاقتصاد العالمي تشكيل السياسة المحلية و الشؤون الاقتصادية عن طريق تأثيره
على المصالح المحلية, و عن طريق هذه القنوات يمكن للاقتصاد العالمي أن يغير سلوك و
مؤسسات و تشريعات المجتمعات المحلية.
-2-III البلدان النامية و العولمـة: (1) يؤكد
"ضياء قرشي الخبير" بالبنك الدولي أن تحقيق اندماج البلدان النامية في
الاقتصاد العالمي, ينطوي على بعض التحديات الصعبة, و هو أمر إن تحقق فلن يفيدها
وحدها, بل سيفيد البلدان الصناعية أيضا و يقول إن هذه البلدان النامية تمثل قوة
دافعة في مجال العولمة, فقد ارتفعت بسرعة حصة التجارة (الصادرات, الواردات في
الناتج المحلي الإجمالي للبلدان النامية من نحو %33
في منتصف الثمانينات إلـى %43 حالياً, و قد
تجاوز %50 في العقد المقبل, و في السنوات السبع التي
أعقبت البدء في مفاوضات جولة الأورجواي في 1986
كانت البلدان النامية تمثل 58 مـن 72 عملية من عمليات التحرر الذاتي, التي أبلغت
إلى الاتفاقية العامة للتعريفات و التجارة (الجات).
إنّ الاندماج
المتزايد للبلدان النامية في التجارة العالمية يواكبه, اندماجها المتنامي في
التمويل العالمي, و قد تضاعف أربع مرات تدفق رؤوس الأموال الخاصة إلى البلدان
النامية في الفترة ما بين عامي 1994-1990 وتبلغ هذه
التدفقات الآن نحو ثلاثة أرباع كافة تدفقات الموارد الصافية طويلة الأجل للبلدان
النامية.
و قد قفزت حصة
البلدان النامية من تدفقات الاستثمار الأجنبي في العالم من %23
في منتصف الثمانينات, إلى أكثر من %40 في الفترة 1994/92.
و رغم ما تبينه
الأرقام من تزايد اندماج البلدان النامية في الاقتصاد العالمي, فإن العائد الفعلي
و الحقيق عليها كأوطان,و علة مواطنيها كأفراد, لن يزيد كثيراً إن لم يكن قد تناقص,
فبالإضافة إلى أنّ الأرقام السابقة بالقيم الإسمية للنقود ترتفع بسبب ارتفاع
الأسعار والتضخم, فإن مستويات معيشة الأفراد و دخولهم إنخفظت في هذه البلدان,
إضافة إلى تزايد مديونيتها لأرقام فلكية, و هي المديونية التي تعصف خدمتها بجزء
أساسي من ناتجها القومي الإجمالي سنوياً, علاوة على تزايد عجزها التجاري و من ثم
تقليص فاعليتها و قدرتها على المنافسة ناهيك عن تحقيق التقدم.
و إن كان العالم
النامي قد أصبح في مجموعة أكثر اندماجاً دولياً, فإن سرعة و مستوى الدمج تختلف
اختلافا كبيراً من بلد لآخر, و التناقض في ميدان التجارة أكثر بروزاً بين شرق آسيا
و إفريقيا, فقد ازداد اندماج شرق آسيـا في التجارة العالمية بسرعة و بطريقة
مستدامة, في حين كانت نسبة التجارة الخارجية إلى الناتج المحلي الإجمالي في
إفريقيا جنوبي الصحراء في انخفاض مستمر حتى وقت قريب, و هي لا تزال أقل من مستواها
الذي كانت عليه منذ 20 عامـاً.
و بالمثل اتخذ
الاندماج المالي للبلدان النامية صوراً متنوعة أيضاً, و كان نحو %90 من تدفقات رأس المال الخاص إلى البلدان
النامية في الفترة 1994-91 يتركز في 12 بلداً, معظمها بلدان متوسطة الدخل في شرق
آسيا و أمريكا اللاتينية, و يرى البعض للعولمة آثار عميقة على البلدان النامية,
فهي تخلق فرصا جديدة مهمة, إقامة أسواق للتجارة, إيجاد مجموعة كبيرة من السلع, و
تدفقات أكبر من رؤوس الأموال الخاصة للداخل و تحسين أمكانية الحصول على
التكنولوجيا.
كما أنّ قيام
أعداد متزايدة من البلدان النامية بإجراء إصلاحات متجهة إلى الخارج, قد أدى إلى
جعل هذه البلدان فاعلة مستفيدة في الوقت نفسه من العولمة. و الواقع أن الفرص
الجديدة التي تخلقها العولمة و تواكبها تحديات جديدة قاسية للإدارة الاقتصادية,
فالاندماج يتطلب انتهاج تجارة حرة, و نظام استثماري حرّ و الإبقاء عليهما.
و في مجال التجارة تزداد المنافسة عنفا,
كما أن الإمكانيات السريعة التغير للتجارة تساند من هم أكثر نشاطاً, و في مجال
التمويل فإن اندماج أسواق رأس المـال الدولية و ما يصاحب ذلك من احتمال تقلب تدفق
رؤوس الأموال يجعل إدارة الاقتصاد الكلي في البلدان النامية أكثر تعقيداً.
و الدور الدولي
المتنامي لبلدان النامية يعني أيضا أن يكون لها تأثير اقتصادي أقوى على البلدان
الصناعية إن أحسنت التخطيط و الحشد و المساومة, و يتضح ذلك مثلا من أن نحو 5 صادرات للبلدان الصناعية اتجه إلى البلدان
النامية في أواخر الثمانينات, و قد ارتفعت هذه الحصة إلى الربع و يرجح أن تجاوز
الثلث في نهايـة العقد المقبل.
و قد جاء في
تقرير أصدر من البنك الدولي بعنوان الآفاق الاقتصادية العالمية و البلدان الناميـة
1995, أنّ ازدياد اندماج البلدان النامية في
الاقتصاد العالمي يمثل فرصة كبيرة للنهوض برفاهة البلدان النامية, و البلدان
الصناعية على السواء على المدى الطويل, و لكن ينبغي لبلدان النامية أن ترتفع إلى
مستوى التحدي و لكي تحقق البلدان النامية منافع العولمة, فإنـه يتعين عليهـا:
(1)
إبراهيم نافع, انفجار 11 سبتمبر بين العولمة و الأمركة, الطبعة الأولى, دار
الأهرام للنشر و التوزيع, 2002, ص 29.(1)
أحمد خليلي, العولمة و أبعادها, مطبوعة
موجهةلتكوين أساتذة التعليم الأساسي في مادة العلوم الاجتماعية, مركز التكوين مريم
بوعتورة, قسنطينة.(1)
أحمد خليلي, مرجع سبق ذكـره.(1)
أحمد خليلي, مرجع سبق ذكـره.(1) إبراهيم
نافع, مرجع سبق ذكـره, ص 250.