طه حسين (14 نوفمبر 1889 الى 28 أكتوبر 1973)
أديب و ناقد مصري
كبير لقّب بعميد الأدب العربي. غيّر [الرواية]] العربية خالق السيرة الذاتيّة مع كتابه "الايام" الذي نشر عام 1929.ولد في الصعيد و درس في جامع الأزهر والجامعة الأهلية ثمّّ في فرنسا
في جامعة "السوربون". طه حسين فقد البصر فيما كان عمره 3 سنوات. تولّى
إدارة جامعة الإسكندرية سنة 1943 ثمّ أصبح وزير المعارف سنة 1950. من مؤلفاته
نذكر : "في الأدب الجاهلي" و خصوصا "الأيام"سيرته الذاتية، إضافة إلى بعض الأعمال القصصية (دعاء
الكروان ـ شجرة البؤس ـ المعذبون في الأرض)، والتاريخية (على هامش السيرة)
والنقدية (حديث الأربعاء ـ من حديث الشعر والنثر) والفكرية (مستقبل الثقافة في
مصر).. فضلاً عن بعض الأعمال المترجمة. وقد رفض المجتمع المصري المحافظ الكثير من
ارائه في موضوعات مختلفة خاصة حين رجوعه من فرنسا. يعتبر كتابه "الايام" سيرة ذاتية تعبر عن سخط كاتبها على واقعه
الاجتماعي، خاصة بعد ان عرف الحياة في مجتمع غربي متطور. طه حسين (1889-1973) واحد
من أهم -إن لم يكن أهم- المفكرين العرب في القرن العشرين. وترجع أهميته إلى
الأدوار الجذرية المتعددة التي قام بها في مجالات متعددة, أسهمت في الانتقال
بالإنسان العربي من مستوى الضرورة إلى مستوى الحرية, ومن الظلم إلى العدل, ومن
التخلف إلى التقدم, ومن ثقافة الإظلام إلى ثقافة الاستنارة, فهو أجسر دعاة
العقلانية في الفكر, والاستقلال في الرأى, والابتكار في الإبداع, والتحرر في البحث
الأدبي, والتمرد على التقاليد الجامدة. وهو أول من كتب عن (مستقبل الثقافة)
بالحماسة التي كتب بها عن (المعذبين في الأرض), وبالشجاعة التي تحرر بها من ثوابت
النقل البالية ،
فاستبدل الاجتهاد بالتقليد, والابتداع
بالاتباع, وأقام الدنيا ولم يقعدها حين أصدر كتابه (في الشعر الجاهلي) الذي كان
بمثابة الاستهلال الجذري للعقل العربي المحدث والحديث في آن. ولد طه حسين في
الرابع عشر من نوفمبر سنة 1889 في عزبة (الكيلو) التي تقع على مسافة كيلومتر من (مغاغة)
بمحافظة المنيا بالصعيد الأوسط. وكان والده حسين عليّ موظفًا صغيرًا, رقيق الحال,
في شركة السكر, يعول ثلاثة عشر ولدًا, سابعهم طه حسين. ضاع بصره في السادسة من
عمره نتيجة الفقر والجهل, وحفظ القرآن الكريم قبل أن يغادر قريته إلى الأزهر طلبًا
للعلم. وتتلمذ على الإمام محمد عبده الذي علمه التمرد على طرائق الاتباعيين
من مشايخ الأزهر, فانتهى به الأمر إلى الطرد من الأزهر, واللجوء إلى
الجامعة المصرية الوليدة التي حصل منها على درجة الدكتوراه الأولى في الآداب سنة 1914 عن أديبه الأثير: أبي العلاء المعري . ولم تمر أطروحته من غير ضجة
واتهام من المجموعات التقليدية حتى بعد أن سافر إلى فرنسا
للحصول على درجة الدكتوراه الفرنسية. وعاد من فرنسا سنة 1919 بعد أن فرغ من رسالته
عن ابن خلدون, وعمل أستاذًا للتاريخ اليوناني
والروماني إلى سنة 1925, حيث تم تعيينه أستاذًا في قسم اللغة العربية مع تحول
الجامعة الأهلية إلى جامعة حكومية. وما لبث أن أصدر كتابه (في الشعر الجاهلى) الذي
أحدث عواصف من ردود الفعل المعارضة, وأسهم في الانتقال بمناهج البحث الأدبي
والتاريخي نقلة كبيرة فيما يتصل بتأكيد حرية العقل الجامعي في الاجتهاد. وظل طه
حسين يثير عواصف التجديد حوله, في مؤلفاته المتتابعة ومقالاته المتلاحقة وإبداعاته
المتدافعة, طوال مسيرته التنويرية التي لم تفقد توهج جذوتها العقلانية قط, سواء
حين أصبح عميدًا لكلية الآداب سنة 1930, وحين رفض الموافقة على منح الدكتوراه الفخرية لكبار
السياسيين سنة 1932, وحين واجه هجوم أنصار الحكم الاستبدادي في البرلمان, الأمر
الذي أدى إلى طرده من الجامعة التي لم يعد إليها إلا بعد سقوط حكومة صدقي باشا.
ولم يكف عن حلمه بمستقبل الثقافة أو انحيازه إلى المعذبين في الأرض في الأربعينات
التي انتهت بتعيينه وزيرًا للمعارف في الوزارة الوفدية سنة 1950, فوجد الفرصة سانحة
لتطبيق شعاره الأثير (التعليم كالماء والهواء حق لكل مواطن). وظل طه حسين على
جذريته بعد أن انصرف إلى الإنتاج الفكري, وظل يكتب في عهد الثورة المصرية ، إلى أن توفي عبد الناصر, وقامت حرب أكتوبر التي توفي بعد
قيامها في الشهر نفسه سنة 1973. وتحفته (الأيام) أثر إبداعي من آثار العواصف التي
أثارها كتابه (في الشعر الجاهلي), فقد بدأ في كتابتها بعد حوالي عام من بداية
العاصفة, كما لو كان يستعين على الحاضر بالماضي الذي يدفع إلى المستقبل. ويبدو أن
حدة الهجوم عليه دفعته إلى استبطان حياة الصبا القاسية, ووضعها موضع المساءلة,
ليستمد من معجزته الخاصة التي قاوم بها العمى والجهل في الماضي القدرة على مواجهة
عواصف الحاضر. ولذلك كانت
(الأيام) طرازًا فريدًا من السيرة
التي تستجلي بها الأنا حياتها في الماضي لتستقطر منها ما تقاوم به تحديات الحاضر,
حالمة بالمستقبل الواعد الذي يخلو من عقبات الماضي وتحديات الحاضر على السواء.
والعلاقة بين الماضي المستعاد في هذه السيرة الذاتية والحاضر الذي يحدد اتجاه فعل
الاستعادة أشبه بالعلاقة بين الأصل والمرآة, الأصل الذي هو حاضر متوتر يبحث عن
توازنه بتذكر ماضيه, فيستدعيه إلى وعي الكتابة كي يتطلع فيه كما تتطلع الذات إلى
نفسها في مرآة, باحثة عن لحظة من لحظات اكتمال المعرفية الذاتية التي تستعيد بها
توازنها في الحاضر الذي أضرّ بها. ونتيجة ذلك الغوص عميقًا في ماضي الذات بما يجعل
الخاص سبيلا إلى العام, والذاتي طريقًا إلى الإنساني, والمحلي وجهًا آخر من
العالمي, فالإبداع الأصيل في (الأيام) ينطوي على معنى الأمثولة الذاتية التي تتحول
إلى مثال حي لقدرة الإنسان على صنع المعجزة التي تحرره من قيود الضرورة والتخلف
والجهل والظلم, بحثًا عن أفق واعد من الحرية والتقدم والعلم والعدل. وهي القيم
التي تجسّدها (الأيام) إبداعًا خالصًا في لغة تتميز بثرائها الأسلوبي النادر الذي
جعل منها علامة فريدة من علامات الأدب العربي الحديث.