كان رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون يصلون إلى بيت المقدس ومضى على
ذلك ستة عشر شهرا أو سبعة عشر أو ثمانية عشر شهرا، وكان الرسول صلى الله
عليه وسلم يحب أن يصرف إلى الكعبة وقال لجبريل: (وددت أن يصرف الله وجهى عن
قبلة اليهود)، فقال: إنما أنا عبد فادع ربك واسأله، فجعل يقلب وجهه فى
السماء يرجو ذلك حتى أنزل الله عليه {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِك فِي
السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ
شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} سورة البقرة، من آية 144.
وكان جعل
القبلة إلى بيت المقدس ثم تحويلها إلى الكعبة حكم عظيمة ومحنة للمسلمين
والمشركين واليهود والمنافقين.
فأما المسلمون فقالوا: سمعنا واطعنا
وقالوا آمنا به كل من عند ربنا وهم الذين هدى الله ولم يكن كبيرة عليهم.
وأما
المشركون فقالوا: كما رجع إلى قبلتنا يوشك أن يرجع إلى ديننا وما رجع
إليها إلا انه الحق.
وأما اليهود فقالوا: خالف قبلة الأنبياء قبله
ولو كان نبيا لكان يصلى الى قبلة الأنبياء.
وأما المنافقون فقالوا:
ما ندرى محمد أين يتوجه إن كانت الأولى حقا فقد تركها وإن كانت الثانية هى
الحق فقد كان على باطل، وكثرت أقاويل السفهاء من الناس وكانت كما قال الله
تعالى {وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللهُ} سورة
البقرة، من آية 14.
وهكذا انصرف المسلمون إلى الكعبة مطيعين لله
ولرسوله وصارت قبلة المسلمين إلى يوم القيامة أينما كانوا ولوا وجوههم
شطرها.