لماذا أحتضن أمير الشعراء جماعة
أبولو؟!
بقلم: حسن توفيق
في الحياة عموما، وقد تكون هناك
استثناءات، لا يختار الانسان الواثق من قدراته وامكانياته إلا اناسا
أقوياء اذا اراد للعمل الجماعي الذي يقوم به ان ينجح
وان
يواصل النجاح، ينطبق هذا علي الزعماء الذين يحكمون دولا باكملها كما ينطبق حتي
علي
اصحاب ومديري اصغر الشركات.
لو لم يكن احمد شوقي عبقريا
مدركا لعبقريته الشعرية، ما كان قد اختار ان يحتضن جيلا جديدا من الشعراء هم
شعراء جماعة أبولو ولو كان هؤلاء الشعراء ليسوا متأكدين من انهم موهوبون حقا ما
كانوا قد تجرأوا علي الاقتراب من أمير الشعراء.
منذ خمس وسبعين سنة، وبالتحديد
في سبتمبر سنة 1932 تأسست جماعة ابولو في القاهرة وهي الجماعة التي اسسها
الشاعر الدكتور احمد زكي ابو شادي، وضمت شعراء من جيل الشباب وقتها، منهم ابراهيم
ناجي - حسن كامل الصيرفي- علي محمود طه- محمود حسن اسماعيل- جميلة العلايلي- أحمد
مخيمر- صالح جودت.. وسواهم، لكن هؤلاء الشعراء لم يختاروا شاعرا منهم لرئاسة تلك الجماعة
وانما أوكلوا امر الرئاسة لأمير الشعراء احمد شوقي الذي احتضنهم وقدر
مواهبهم، وكتب قصيدة جميلة، تصدرت العدد الاول من مجلة
أبولو-
سبتمبر 1932 - وفيها يقول:
أبولو.. مرحباً بك يا أبولو
فإنك من عكاظ الشعر ظل
عكاظ وأنت للبلغاء سوق
علي جنباتها رحلوا وحلوا
وينبوع من الإنشاد صافٍ
صدي المتأدبين به يبلُّ
ومضمار يسوق إلي القوافي
سوابقها إذا الشعراء قلوا
يقول الشعر قائلهم رصينا
ويحسن حين يُكثر أو يُقلُّ
ولولا المحسنون بكل أرضٍ
لما ساد الشعوب ولا استقلوا
علاقة جميلة وصلات حميمة بين
عبقري ضخم وشعراء شبان، لكن العبقري الضخم ما لبث أن رحل عن عالمنا بعد شهر
ونصف الشهر علي صدور العدد الأول من أبولو، وهنا يتجلي معني الوفاء، فقد أصدرت
أبولو عددا شاملا متكاملا عن أمير الشعراء، وما زلت أري أن مقالات ذلك العدد
ودراساته المتنوعة حول فن أمير الشعراء هي من الطراز الذي
لا
يذهب جفاء، لكن كثيرين من أدبائنا الجدد لم يحاولوا أن يتعرفوا علي هذا العدد من
أبولو
ليروا كيف كانت المقالات والدراسات تكتب، وكيف كانت الاساليب جميلة ومتنوعة
في
آن واحد.
لكي أؤكد ما سبق أن ذكرته من أن
الحياة لابد أن تتجدد وإلا أصبحت جمودا يعقبه الموت، فإني أتذكر هنا أن
قصيدة محمود حسن إسماعيل التي كتبها في رثاء أحمد شوقي في عدد أبولو هي قصيدة من
الشعر الحر .. قصيدة من الشعر الحر سنة 1932 أي قبل أن يظهر بدر شاكر السياب ونازك
الملائكة وسواهما من رواد حركة الشعر الحر في الساحة
الأدبية
العربية ابتداء من سنة 1947 .
وأريد أن أعود الآن الي خاتمة
قصيدة أحمد شوقي في تحية مجلة أبولو، وأترك للقاريء تحديد من الذين
كان يقصدهم أمير الشعراء مؤكداً أنهم حاسدون وأن قلوبهم مليئة بالغل، حيث يشير
الي النقد الأدبي الهادف علي صفحات أبولو، ويقارنه بالنقد الهدام الذي تبتعد هي
تماما عنه:
رياحين الرياض يُملُّ منها
وريحان القرائح لا يُملُّ
يمهد عبقري الشعر فيها
لكل ذخيرةٍ فيها محلُّ
وليس الحق بالمنقوص فيها
ولا الأعراض فيها تستحلُّ
وليست بالمجال لنقد باغٍ
وراء يراعه حسد وغِلُّ