[b]ثناء العلماء عليه:
اشتهر بكر بن
حماد بقوة الحافظة و شدة الذكاء، وبحسن حفظه و روايته للحديث الشريف وقد
وثقه علماء الإسلام ممن ترجموا له أو ذكروا الأحاديث المسندة عنه، كما
أشتهر بأنه شاعر من الطراز الرفيع لا يقل شأنا عن فحول شعراء عصره كأبي
تمام و دعبل الخزاعي، تشهد على ذلك قصائده الرائعة المؤثرة، وقد أثنى عليه
شيوخه و أقرانه و تلاميذه أيضا.
- وصفه الإمام العجلي في كتابه ( معرفة الثقاة: 2/254)، بأنه " من أئمة أصحاب الحديث" وبأنه " ثقة ثبتا وكان صاحب آداب".
- وقال عنه ياقوت
الحمويّ في (معجم البلدان: 1/396): " بكر بن حماد أبو عبد الرحمن، كان
بتاهرت من حفاظ الحديث وثقات المحدثين المأمونين".
- قال عنه محمد بن عبد الله بن عبد المنعم الحميري في (الروض المعطار : 1/126) " بكر بن حماد، كان ثقة مأموناً حافظاً للحديث".
- قرنه الحافظ
أبو الوليد ابن الفرضي في كتابه (تاريخ العلماء والرواة للعلم بالأندلس :
1/75) بقاضي مليلة أحمد بن الفتح في الحفظ و الرواية و الشعر في الترجمة
رقم 202 قال : " أحمد بن الفتح المليلي يكنى أبا جعفر ويعرف بابن الحزاز
وكان قاضيا بمليلة... كان عظيم القدر جليلا وكان نظير بكر بن حماد في
الرواية والشعر وحفظ الأخبار".
- و حلاه محمد مخلوف في (شجرة النور النور الزكية :1/72 الترجمة رقم 91 ) ب :" ... الفقيه العمدة الفاضل الإمام الثقة العالم بالحديث و تمييز الرجال ".
أخلاقه وصفاته:
اشتهر بكر بن
حماد بقوة الحافظة و شدة الذكاء، و إجادته للشعر و الأدب، كما وصفه
مترجموه بأنه رغم فقره و قلة ذات يده فإنه كان عزيز النفس لم يتكسب بشعره
و لم يمدح إلا من يراه أهل للمديح من حكام و أمراء عصره ، كذلك عرف بعفة
اللسان فشعره يخلو تماما من أي أثر للغزل أو اللهو رغم ما عرف من عادة
الشعراء في مستهل قصائدهم بذكر الحبيب أو الوقوف على الأطلال، كما كان
يتصف بصفات العلماء كالتواضع و الزهد و تعظيم رجال السلف الصالح ، و هذه
القصة التي نوردها هنا في عودته إلى الحق و إنصافه فيه – رغم أن من نبهه
إلى خطأه هو أحد تلامذته – دليل على ذلك، فقد حكى الإمام القرطبي في
تفسيره (الجامع لأحكام القرآن: 1/287 ) عند قوله تعالى: "...{ قَالُوا
سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ
الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ } [ الآية 32 من سورة البقرة ]، أن قاسم ابن أصبغ
قال: لما رحلت إلى المشرق نزلت القيروان، فأخذت عن بكر بن حماد حديث مسدد،
فقرأت عليه يوماً فيه حديث النبي صلى الله عليه وسلّم " أنّه قدم عليه قوم
من مضر مجتابي النمار " فقال: إنّما هو مجتابي الثمار، فقلت: إنّما هو
مجتابي النمار، هكذا قرأته على كل من لقيته بالأندلس والعراق، فقال لي:
بدخولك العراق تعارضنا وتفخر علينا أو نحو هذا !، ثم قال لي: قم بنا إلى
ذلك الشيخ - لشيخ كان في المسجد - فإن له بمثل هذا علماً، فقمنا إليه
وسألناه عن ذلك، فقال: إنّما هو مجتابي النمار، كما قلت، وهو قوم كانوا
يلبسون الثياب مشققة جيوبهم أمامهم، والنمار: جمع نمرة، فقال بكر بن حماد
وأخذ بأنفه: رغم أنفي للحق، رغم أنفي للحق. وانصرف"ا.هـ.
و قد أورد هذه
الحكاية أيضا أحمد بن المقري التلمسان في كتابه ( نفح الطيب من غصن
الأندلس الرطيب 2/49).، و علق عليها قائلا : " وهذه الحكاية دالة على عظيم
قدر الرجلين، رحمهما الله تعالى ورضي عنهما".
مؤلفاته و آثاره:
رغم شهرة بكر بن
حماد في علم الحديث الشريف و أنه من أقران علماء أجلاء في هذا العلم
الشريف، إلا أن كتب التراجم و المصادر التي تحدثت عنه لم تذكر انه خلف أي
تأليف في هذا الشأن ، رغم ان كثيرا من تلامذته ذكروا أنه سمعوا من إملائه
و أخذوا عنه كتب الحديث كسنن مسدد بن مسرهد و الكثير من مسند بقي بن مخلد
و غيرهم ، كما ان له أقوال كثيرة في التعديل و التجريح تدل على تمكنه و
سعة اطلاعه ، و إطلالة صغيرة على كتاب المحن لأبي العرب تؤكد على هذا الذي
قلناه.
أما بالنسبة
لشعره فقد جمعه الأستاذ رمضان شاوش [جزائري ] في ديوان سماه"الدر الوقاد
من شعر بكر بن حماد" و حققه وقدم له بمقدمة أبعد فيها النجعة في بعض
المواضع، منها أنه ذكر مرة أن شاعرنا كان على مذهب الخوارج ( الإباضية) ثم
مال إلى مذهب أهل السنة والجماعة بعد إقامته في بغداد.ولقائه علماء الحديث
و سماعه منهم، و ذكر مرة آخرى أنه كان يميل الى مذهب الشيعة مستدلا بما
ذهب إليه الأستاذ عبد العزيز نبوي أثناء دراسته لقصيدة بكر بن حماد التي
عارض فيها عمران بن حطان الذي مدح عبد الرحمن بن ملجم قاتل الإمام علي ـ
رضي الله عنه وكرًّم الله وجهه ـ و هي من نفس الوزن و القافية التي مطلعها:
قُل لابنِ ملجمَ والأقدارُ غالبةٌ ... هدَّمتَ ويحكَ للإسلامِ أركانا
قتلتَ أفضلَ من يمشي على قدمٍ ... وأوَّلَ النَّاسِ إسلاماً وإيمانا
لكن هذا الجهد الذي قام به الأستاذ رمضان لا يخلو من فوائد و من تعليقات وشروح هادفة جزاه الله خيرا.
مختارات من أشعاره:
- قال عن حكمة الله في أرزاق العباد و الحث على القناعة:
تبارك مَن ساسَ الأمورَ بِعِلْمه ... وذَلَّ له أهلُ السّموات والأرْض
ومنْ قسِمَ الأرزاق بين عِباده ... وفَضّلَ بَعضَ النَّاس فيها على بعض
فمن ظَنَّ أنّ الحِرْص فيها يَزيده ... فقُولًوا له يزداد في الطول والعَرْض
- وقال يحث على الزهد و القناعة:
النَّاس حرصى على الدُّنيا وقد فسدت... فصفوها لك ممزوج بتكدير
فمن مكبٍ عليها لا تساعـده ... وعاجزٍ نال دنياه بتقصير
لم يدركوها بعقلٍ عندما قسمت ... وإنما أدركوها بالمقاديـر
لو كان عن قدرةٍ أو عن مغالبةٍ ... طار البزاة بأرزاق العصافير
- وقال يعظ الناس:
غفلت وحادي الموت في أثري يحدو ... فإن لم أرح ميتاً فلا بدَّ أن أغدو
أرى عمري ولَّى ولم أترك المنى ... وليس معي زاد وفي سفري بعدُ
أنعِّم جسمي باللِّباس ولينه ... وليس لجسمي من قميص البلى بدُّ!
- وقال يصف الطقس البارد لمدينة تيهرت:
ما أصعب البرد وريعانه ... وأطرف الشمس بتاهرت
تبدو من الغيم إذا ما بدت ... كأنما تنشر من تحت
فنحن في بحر بلا لجة ... تجري بنا الريح على السمت
نفرح بالشمس إذا ما بدت ... كفرحة الذمي بالسبت
- وقال يرثي
مدينة تيهرت بعد أن خربها العبيديين الرافضة ( الفاطميين) بعد أن استولوا
عليها و عاثوا فيها فساد و هي آخر ما قاله من شعر:
زرنا منازل قوم لم يزورونا... إنا لفي غفلة عما يقاسونا
لو ينطقون لقالوا: الزاد، ويحكم... حل الرحيل فما يرجو المقيمونا
الموت أجحف بالدنيا فخربها... وفعلنا فعل قوم لا يموتونا
فالآن فابكوا فقد حق البكاء لكم... فالحاملون لعرش الله باكونا
ماذا عسى تنفع الدنيا مُجمِعها... لو كان جمع فيها كنز قارونا
الهوامش:
1-(تذكرة الحفاظ للإمام الذهبي:2/8 الترجمة 426) و ( معرفة الثقات للعجلي :2/272 الترجمة: 1708).
2- (تذكرة الحفاظ للإمام الذهبي: 2/418) و ( معرفة الثقات للعجلي :1/50 الترجمة 69).
3- ( سير أعلام النبلاء للإمام الذهبي 10/688 الترجمة رقم: 254).
4- (لسان الميزان 2/67 الترجمة رقم 256).
5- (تذكرة الحفاظ للإمام الذهبي: 2/18 الترجمة 440).
6- (تهذيب التهذيب للحافظ ابن حجر العسقلاني: 3/398 الترجمة: 639).
7- (ترتيب المدارك للقاضي عياض:4/46).
8- (سير أعلام النبلاء للإمام الذهبي: 9/419 الترجمة رقم 102).
9- (التكملة لكتاب الصلة لابن الابار: 2/81).
10- (جذوة المقتبس للإمام الحميدي 1/119).
11- ( التكملة لكتاب الصلة لابن الابار :1 / 299 الترجمة رقم:1035).
و أنظر:( تاريخ دمشق لابن عساكر: 53/270).
12- ( لسان الميزان للحافظ ابن حجر 2/67).
13- ( تاريخ العلماء بالاندلس لابن الفرضي :1/311).
14- ( سير أعلام النبلاء للإمام الذهبي 15/395)، و (تاريخ العلماء بالاندلس لابن الفرضي 1/385 الترجمة 1007).
15- ( ترتيب المدارك للقاضي عياض:1/420) و تاريخ العلماء بالاندلس لابن الفرضي 1/385 الترجمة 1007).
المصادر و المراجع:
- ديوان بكر بن حماد، الشركة الوطنية للنشر و التوزيع، الجزائر ط1 1987م.
- "كتاب المحن"
أبو العرب محمد بن أحمد بن تميم ، تحقيق د عمر سليمان العقيلي، الناشر دار
العلوم الرياض - السعودية،سنة النشر 1404هـ - 1984م.
- "معجم البلدان" لياقوت الحموي ، دار صادر ، بيروت لبنان الطبعة الثانية سنة 1995 م.
- "سير أعلام
النبلاء" للحافظ الذهبي ، تحقيق شعيب الأرناؤوط و محمد نعيم العرقسوسي،
دار النشر : مؤسسة الرسالة لبنان ، الطبعة 9 ، 1413هـ.
- " تذكرة الحفاظ " للإمام الذهبى، دراسة وتحقيق: زكريا عميرات، دار الكتب العلمية بيروت-لبنان,الطبعة الأولى 1419هـ- 1998م
- "الصلة في الرواة " لأبي القاسم خلف بن عبد الملك ابن بشكوال، الدار المصرية للتأليف والنشر، القاهرة 1966م.
- "لسان الميزان"
لابن حجر العسقلاني ، الناشر : مؤسسة الأعلمي للمطبوعات – بيروت الطبعة
الثالثة ، 1406 – 1986، تحقيق و مراجعة: دائرة المعارف النظامية – الهند.
- "الأعلام" لخير الدين الزركلي، دار العلم للملايين بيروت - الطبعة الخامسة أيار (مايو) 1980م.
- "جذوة المقتبس في ذكر ولاة الأندلس للحميدي" ، تحقيق روحية عبد الرحمن السويفي ، دار الكتب العلمية بيروت ، ط1، 1417هـ/ 1997م.
-
" ترتيب المدارك وتقريب المسالك لمعرفة أعلام مذهب مالك" للقاضي عياض
السبتي، تحقيق مجموعة من الباحثين. الرباط: وزارة الأوقاف، 1983م.
- "تاريخ
العلماء والرواة للعلم بالأندلس" لأبي الوليد ابن الفرضي، تحقيق عزت
العطار الحسيني، نشر مطبعة المدني القاهرة، ط1 1408هـ/ 1988م.
- "نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب" لأحمد بن المقري التلمساني، تحقيق إحسان عباس، دار صادر، بيروت ط1 1997م.
- " التكملة لكتاب الصلة" لابن الأبار، تحقيق عبد السلام الهراس. الدار البيضاء: دار المعرفة، 1995م.
- " شجرة النور الزكية في طبقات المالكية" لمحمد بن محمد مخلوف، المطبعة السلفية القاهرة: 1349 هـ . [/b]